عادل القليعي يكتب: التصوف ما له وما عليه في واقعنا المعاصر

عادل القليعي
عادل القليعي

في حقيقة الأمر كان ينبغي علينا الكتابة عن هذا الموضوع بعيدا عن الكتابة الأكاديمية سواء من حيث تعريفات التصوف وبداياته ومصادره ونظرياته سواء نظريات البسطامي والحلاج ومحي الدين بن عربي والسهروردي شيخ الإشراق وعبد الحق بن سبعين والإمام الغزالي، وعبد القادر الجيلاني.

ومن ثم فكتابتنا ستكون مختلفة بعض الشئ فلن نناقش المتصوفة في نظرياتهم وأحوالهم ومواجيدهم ومقاماتهم، ولن نناقش جدليات طالما تكلم عنها القوم مثل علاقة التصوف بالفلسفة، أو علاقة التصوف بالأخلاق أو الفقه أو إشكالات كعلاقة التصوف بالمعرفة والفرق بين المعرفة والعرفان.

ولكن ما سنتحدث عنه في هذا المقام ، حقيقة التصوف بين منكر ومؤيد ومتردد في رأيه، وهل ثم متصوفة الآن أصحاب نظريات وإذا كان ذلك كذلك فلماذا هم مستوريين عن العيان وما دورهم في خدمة قضايانا المعيشة، فالقضايا والمشاكل لا تحل بالدروشة والدعاء ، نعم نعلم أهمية الذكر وأهمية الدعاء، لكن الله أمرنا بحسن التوكل عليه وترك التواكل وهذا يعني الأخذ بالأسباب ساعتها ستكون إستجابة الدعاء، أما دعاة الصوفية من أصحاب الخرق البالية، المتسكعون فى الطرقات أمام أبواب المساجد وأضرحة الأولياء بحجة أنهم عباد زهاد، فهذا ليس من التصوف الحقيقي في شئ فالحسن الشاذلي كان دوما ما يردد قائلا أنا أليس أحسن الثياب وامتطي أفضل الجياد ، فإن الله يحب أن تظهر نعمه على عباده.

هذه واحدة .

أما الثانية فكل الزهاد والمتصوفة فى القرن الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس الهجري كانوا يعملون في حرف شاقة، فالغزالي كان غزالا يغزل الصوف، والحلاج يحلج القطن والخراز قمر الصوفية كان خرازا يخرز الجلود، وهذه الثانية.

أما الثالثة، فمعظم هؤلاء لم يكتفوا بالدعاء وقت الحروب والمعارك بل منهم من حمل سيفه وامتطى جواده وجاهد في سبيل الله متصديا لحملات التتار والمغول والحملات الصليبية على بلدان المسلمين.

أما الرابعة، فكان جل هؤلاء أئمة وفقهاء سواء فى النصح والإرشاد أو شرح دروس الفقه وتعليم الناس أمور دينهم بأسلوب بسيط ، وسفيان الثوري والمحاسبي والبصري ورابعة العدوية ليسوا منا ببعيد.

والخامسة، أن أحوال ومواجيد هؤلاء لم يفصحوا عنها للعوام ولم يجبروا أحدا على سلوك مسالكهم لأنهم يعتقدون أن طرقهم وعرة وليست سهلة المراس، لأن العلوم قسمين، ما يودع فى بطون الكتب، وما يودع في قلوب العارفين ، فما يودع فى بطون الكتب قابل للدرس والفهم والتلقين والتلقي، أما ما يودعه الله تعالى فى قلوب العارفين فلا يمكن البوح به أمام العوام البسطاء.

لكن ثم إشكالية من الممكن أن تثار ها هنا، الصوفية يقولون أن ظاهرهم مثل باطنهم ، وما ذكرته يفيد أنهم يبطنون خلاف ما يظهرون.

نقول ظاهرهم كباطنهم فى معاملاتهم مع خلق الله ، اللين والسماحة ورقة القلب وطيب الخاطر ونقاء السريرة، في عباداتهم يصلون ويزكون  ويصومون ويحجون كما يفعل ذلك القوم ، غير مسقطين التكاليف الشرعية لكن طريقهم المناجاة لا المناداة، أما من يسقطها فلا يمت للدين بصلة لا من قريب أو من بعيد فباطنهم كظاهرهم أمام القوم، أما أمام الله فثم أحوال ومقالات ورقي وإرتقاء فهم بالمحبة والشوق قد وصلوا لا بلباس لبسوه، ولا بطعام تركوه، تخلوا وتحلوا ، تخلوا عن كل أوهام المادة ومحدثاتها غير طارحين بشريتهم ولكنهم لبسوا ما يستر عوراتهم وطعموا ما يقوي أجسادهم ، وتحلوا بصفات الحسان الأبرار الكرام ، جاهدوا فى الله حق جهاده حتى أتاهم النور الذي به أشرقت قلوبهم فانعكس باطنهم على ظاهرهم.

نخلص مما سبق إلى ما يلي:

*ليس كل من لبس الخشن من الصوف صار متصوفا.

*ليس كل من وضع عمامة خضراء فوق رأسه ولبس مسبحة طويلة فى رقبته وأمسك بعصا ووقف أمام مقامات آل البيت قال أنا من نسل آل البيت ونسبي يمتد إلى آل البيت ، فآل البيت معروفين بالاسم.

*الزيارة لأولياء الله الصالحين ، محببة ، كزيارة حب لآل البيت بضوابط وشروط دونما مغالاة فى الزيارة بأفاعيل لا يرضى عنها الله ولا رسوله ولا آل البيت ، فلا توسل فى الدعاء بأحد ولا طواف حول الأضرحة فليس ثم طواف إلا بالبيت العتيق حجا وعمرة ، ولا تقبيل الأعتاب ، فإن هذا لا ينفع ولا يضر.

أما أنك تزور حبا فى آل بيت النبي تتذكر مآثرهم ومناقبهم وتدعو الله لهم بالرضا والمغفرة وأن يجمعنا الله بهم فى الجنة فلا مندوحة من ذلك..

*إن كل من يقول أنه متصوف فلابد أن يمارس دوره فى واقعنا المعاصر إن بالعمل الجاد إن كان يعمل موظفا لا يتواكل ، أن ينصح بالتي هي أحسن للله إذا رأي منكرا ولو بقلبه وهذا أضعف الإيمان ، سواء فى حيه الذي يعيش فيه أو عمله أو في مسجده الذي يصلي فيه.

*نعم إذا أردنا حقا أن يتحقق فينا قوله تعالى رضى الله عنهم ورضوا عنه ، فضرورة ملحة الاقتداء برسول الله تعالى عملا بسنته وعملا بكتاب الله تعالى وترك الشبهات والمحدثات التي يثيرها بعض الدجالين والمشعوذين بحجة أنهم أصحاب كرامات وأصحاب ولاية ومقامات 

فالاولياء لا يحدثون عن أنفسهم وأهل الكرامات مستورون لا يبيحون بها.

كاتب المقال أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان